صمود بطعم التفاح..

-

صمود بطعم التفاح..
تفاح الجولان بات رمزًا أكثر من كونه طعمًا. „تفاحة الجولان” القادمة من الهضاب المحتلة، تحمل بين طيّاتها نكهات وقصصًا عن تضييق الحقول وصعوبة الري وإنهاك التسويق. ومع هذا، لا يزال الجولانيون يعتبرون موسم التفاح عرسًا حين تصبح الليالي مثل مسرحية رحبانية، سهرات وأغنيات رغم كل شيء... ومن منكم لم يسمع عن „تفاح الجولان”؟

كثيرًا ما نسمع عن „تفاح الجولان”. إنَّها زيتونة الجولانيين. تلك الفاكهة التي تجاوزت كونها طعامًا لتصبح رمزًا يميّز تلك الرقعة المحتلة.

تعود زراعة التفاح في الجولان إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الكروم ركنًا. يزرع الجولانيون 30 ألف دونم، وهي المساحة التي تبقت لهم منذ العام 1967. هذه الحقول تنتج ما لا يقل عن 25 ألف طنٍ سنويًا. لكن الأمور عادةً لا تسير على ما يرام، إذ تتخلل زراعة التفاح وتسويقه الكثير من الصعوبات في الري والتسويق علاوةً على مصادرة الجزء الأكبر من أراضيهم منذ العام 1967.

بساتين التفاح في قمم هضاب الجولان، والمنبسطة على امتداد المرج المحاذي لبلدة مجدل شمس، لم تعد مشروعًا اقتصاديًا بمقدار ما هي متنفس اجتماعي يحمل بين طيّاته دلالاتٍ ومعاني التكافل الإجتماعي والفرح. فموسم التفاح يشبه إلى حد كبير موسم الأعراس التقليدية.

يرى أبو غسّان أنَّ مجمل التعاطي مع موسم التفاح يأتي من أجل المعيشة أساسًا، ويضيف: „لكن إذا أخذنا الجوانب الأخرى من الموضوع ففيها الكثير من التعويض بعد التراجع الكبير لهذه الزراعة. فموسم التفاح عبارة عن موسم أعراس تجتمع فيه العائلات ويتعاون فيه الكبار والصغار الى جانب الكثير من الفلسطينيين أخوتنا من عرب الداخل. يتلاقى الناس، وثمة من يسهر ويقيم حفلات العزف والغناء. زيارات متبادلة، وفي ذلك تصالح وتسامح ومودة، وهذا يعزز الارتباط الوجداني العميق لدى الصغار والكبار في ارتباطهم مع بعضهم البعض ومع الارض والحفاظ عليها.”

ويسترسل: „لكن مما لا شك فيه، عندما يكون المحصول ناجحًا والتسويق متوفرًا يكون رضى المزارع وفرحه أكبر.”

حصار منهجي

مثله مثل باقي المزارعين، يمتعض حمود مرعي ويتذمر من الحصار المنهجي لهذه الزراعة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية، لكن علاقته الوجدانية والوجودية بالأرض وشجرة التفاح تجعله متمسكًا وثابتًا ويقول: „مصاريف باهظة تحتاجها هذه الزراعة من استصلاح للأراضي والري والأسمدة والأدوية لمكافحة الأمراض. هذا إلى جانب أنَّ المحصول تراجع مقارنة بالسنوات الماضية بنسبة 10-15 في المئة، فهناك مشكلة التسويق والأسعار، وفي هذا الموسم لم يسوق المزارعون إلا القليل من المحصول في البلاد وبأسعار رخيصة.”

ويضيف: „لا يزال التفاح مخزنًا في البرادات، ونحن ننتظر إنهاء الاجراءات الخاصة بالتنسيق مع سلطات الإحتلال بوساطة الصليب الأحمر لتصدير التفاح الى دمشق، وقد صدّرنا العام الماضي 8 آلاف طن، وبذلك تكون هذه السنة الرابعة التي يسمح لنا التسويق في الأسواق السورية، وبهذا قليل من التعويض لاسيما وأنَّ الأسعار هناك أفضل”.

الحرب على المياه

قرى أربع، مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قينية، تتربع على بحر من ينابيع المياه لكنها تعاني شح المياه. مياه الري باهظة. ويقول المهندس شحادة نصر الله: „قلة المياه تؤثر بدورها على نوعية وكمية المحصول من حيث جودة الثمار وقدرتها على التحمل مدة طويلة في التخزين، فلا يعقل أنّ 30 ألف دونم يخصّص لها 700 كوب للدونم من المياه في وقت تحتاج الى ضعف هذه الكمية”.

وفي مثال على ما يجري من تضييقات على المياه قال: „إستخدمنا نبع راس العين”، وهو يروي 1700 دونم وحاولت سلطة المياه „موكوروت” مصادرته والسيطرة عليه وتحويله رافدًا لـ „بانياس” لكنّهم فشلوا.”

عندما تنظر من المرتفعات الى أسفل المرج الممتد ببساتينه من مجدل شمس حتى قرية بقعاتا مرورًا بقرية مسعدة تلاحظ وجود أعداد كبيرة من الصهاريج الحديدية قابعة بين البساتين على سطح الأرض بأحجام ضخمة. ويفسر نصر الله : „بعد أن استعصت علينا مصادر المياه إستحدثنا طرقًا بدائيةً لتخزين مياه الأمطار وهي عبارة عن آبار مياه بديلة حفرت بعمق 5-6 أمتار داخل أراضينا، لكن بعد عام الإضراب الشهير، وفي عام 1982 أخذ المزارعون بتوسيع واستصلاح اراضيهم في السفوح الجبلية على شكل مدرجات، الأمر الذي دفع بنا لاستحداث وتطوير تلك الآبار وتوسيعها على شكل برك كبيرة، وعلى مساحة نصف دونم تقريبًا وبعمق 10-12 مارًا، تتسع لـ 700-1200 كوب من مياه الري المجمعة من مياه الأمطار، لكن مع ذلك بقيت هذه الكميات قليلة وغير كافية.”

تتضاعف الأعباء على المزارع المحلي في حجم المصروفات فالكثير مما توفره الدولة لمواطنيها اليهود من تسهيلات ودعم لا يحظى بها إبن الجولان العربي. فيما يرى نصر الله: „في أواخر التسعينيات أعطتنا إسرائيل مخصصات سنوية، 200 كوب مياه للدونم الواحد بينما خصَّصت للمستوطن من 700-800 كوب، ومن نفس المصدر للمستوطنات. وبالتالي أستطيع القول إنّ بعد مرور 40 سنة من الاحتلال لم يعد الإستثمار في هذه الزراعة مصدرًا للدخل”.

لكن مع هذا، يجمع الجولانيون العالقون تحت الإحتلال، على أنَّ التفاح متنفس، ويحمل أكثر من معنى الري والتسويق. إنَّه العلاقة الوجودية والوجدانية للأهل..

التعليقات